فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلاّ يحيى بن زكريا، فإنه كان {سيدًا وحصورًا ونبيًا من الصالحين} ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة».
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله: «أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة، وأمنت الملائكة: رجل جعله الله ذكرًا فأنث نفسه وتشبه بالنساء، وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال، والذي يضل الأعمى، ورجل حصور، ولم يجعل الله حصورًا إلا يحيى بن زكريا».
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن صالح عن بعضهم رفع الحديث «لعن الله والملائكة رجلًا تحصر بعد يحيى بن زكريا».
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله: {وحصورًا} قال: لا يشتهي النساء، ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال: ما كان معه مثل هذه.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {وحصورًا} قال: ألذي لا يأتي النساء. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
وحصور عن الخنا يأمر النا ** س بفعل الحراب والتشمير

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما سمع زكريا النداء جاءه الشيطان فقال له: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ليسخر بك، ولو كان من الله أوحى إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر. فشك مكانه وقال: {أَنى يكون لي غلام}.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: أتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه قال: هل تدري من ناداك؟ قال: نعم. ناداني ملائكة ربي قال: بل ذلك الشيطان لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك فقال: {رب اجعل لي آية}.
أما قوله تعالى: {وامرأتي عاقر}.
أخرج ابن جرير وابن حاتم عن شعيب الجبائي قال اسم أم يحيى أشيع.
قوله تعالى: {قال كذلك يفعل الله ما يشاء}.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {كذلك} يعني هكذا. وفي قوله: {ربي اجعل لي آية} قال: قال زكريا: رب فإن كان هذا الصوت منك فاجعل لي آية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {رب اجعل لي آية} قال بالحمل له.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام} قال: إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الرحمن السلمي قال: اعتقل لسانه من غير مرض.
وأخرج عن السدي قال: اعتقل لسانه ثلاثة أيام، وثلاث ليال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جبير بن نفير قال: رب لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام، ثم أطلقه الله بعد ثلاث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلاَّ رمزًا} قال: الرمز بالشفتين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {إلاَّ رمزًا} قال: إيماؤه بشفتيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {إلاَّ رمزًا} قال: الاشارة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الرمز أن يشير بيده أو رأسه ولا يتلكم.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: الرمز أن أخذ بلسانه فجعل يكلم الناس بيده.
وأخرج الطستي في مسائله وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {إلاَّ رمزًا} قال: الاشارة باليد، والوحي بالرأس قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
ما في السماء من الرحمن مرتمز ** إلا إليه وما في الأرض من وزر

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال: لو رخص الله لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام حيث قال: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا واذكر ربك كثيرًا} ولو رخص في ترك الذكر لرخص للذين يقاتلون في سبيل الله قال الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا} [الأنفال: 45].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وسبِّح بالعشي والإِبكار} قال: {العشي} ميل الشمس إلى أن تغيب {والإبكار} أول الفجر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (42):

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ مما للكافل بعد ما نوه بأمر المكفولة بيانًا لاستجابة الدعاء من أمها لها أعاد الإشارة بذكرها والإعلام بعلي قدرها فقال عاطفًا على ما تقديره: هذا ما للكافل فاذكره لهم فإنهم لا يشكون معه في نبوتك: {و} اذكر {إذ قالت الملائكة} وعبر بالجمع والمراد جبريل وحده عليه الصلاة والسلام كما في سورة مريم عليها السلام لتهيئها لخطاب كل منهم كما مضى {يا مريم إن الله} أي الذي له الأمر كله {اصطفاك} أي اختارك في نفسك، لا بالنظر إلى شيء آخر عما يشين بعض من هو في نفسه خيار {وطهرك} أي عن كل دنس {واصطفاك} أي اصطفاء خاصًا {على نساء العالمين} فمن هذا الاصطفاء والله سبحانه وتعالى أعلم كما قال الحرالي: أن خلصت من الاصطفاء الأول العبراني إلى اصطفاء على عربي حتى أنكحت من محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي؛ قال صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها: «أما شعرت أن الله سبحانه وتعالى زوجني معك مريم بنت عمران»- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قالوا المراد بالملائكة هاهنا جبريل وحده، وهذا كقوله: {يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] يعني جبريل، وهذا وإن كان عدولًا عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه، لأن سورة مريم دلت على أن المتكلم مع مريم عليها السلام هو جبريل عليه السلام، وهو قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن مريم عليها السلام ما كانت من الأنبياء لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ القرى} [يوسف: 109] وإذا كان كذلك كان إرسال جبريل عليه السلام إليها إما أن يكون كرامة لها، وهو مذهب من يجوز كرامات الأولياء، أو إرهاصًا لعيسى عليه السلام، وذلك جائز عندنا، وعند الكعبي من المعتزلة، أو معجزة لزكرياء عليه السلام، وهو قول جمهور المعتزلة، ومن الناس من قال: إن ذلك كان على سبيل النفث في الروع والإلهام والإلقاء في القلب، كما كان في حق أم موسى عليه السلام في قوله: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} [القصص: 7]. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن المذكور في هذه الآية أولًا: هو الاصطفاء، وثانيًا: التطهير، وثالثًا: الاصطفاء على نساء العالمين، ولا يجوز أن يكون الاصطفاء أولًا من الاصطفاء الثاني، لما أن التصريح بالتكرير غير لائق، فلابد من صرف الاصطفاء الأول إلى ما اتفق لها من الأمور الحسنة في أول عمرها، والاصطفاء الثاني إلى ما اتفق لها في آخر عمرها.
النوع الأول من الاصطفاء: فهو أمور:
أحدها: أنه تعالى قبل تحريرها مع أنها كانت أنثى ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها من الإناث.
وثانيها: قال الحسن: إن أمها لما وضعتها ما غذتها طرفة عين، بل ألقتها إلى زكريا، وكان رزقها يأتيها من الجنة.
وثالثها: أنه تعالى فرغها لعبادته، وخصها في هذا المعنى بأنواع اللطف والهداية والعصمة.
ورابعها: أنه كفاها أمر معيشتها، فكان يأتيها رزقها من عند الله تعالى على ما قال الله تعالى: {أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله}.
وخامسها: أنه تعالى أسمعها كلام الملائكة شفاها، ولم يتفق ذلك لأنثى غيرها، فهذا هو المراد من الاصطفاء الأول، وأما التطهير ففيه وجوه:
أحدها: أنه تعالى طهرها عن الكفر والمعصية، فهو كقوله تعالى في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم {وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
وثانيها: أنه تعالى طهرها عن مسيس الرجال.
وثالثها: طهرها عن الحيض، قالوا: كانت مريم لا تحيض.
ورابعها: وطهرك من الأفعال الذميمة، والعادات القبيحة.
وخامسها: وطهرك عن مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم.
وأما الاصطفاء الثاني: فالمراد أنه تعالى وهب لها عيسى عليه السلام من غير أب، وأنطق عيسى حال انفصاله منها حتى شهد بما يدل على براءتها عن التهمة، وجعلها وابنها آية للعالمين، فهذا هو المراد من هذه الألفاظ الثلاثة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي هذا الاصطفاء الثاني: أربعة أقوال.
أحدها: أنه تأكيد للأول.
والثاني: أن الأول للعبادة، والثاني: لولادة عيسى عليه السلام.
والثالث: أن الاصطفاء الأول اختيار مبهمَ، وعموم يدخل فيه صوالح من النساء، فأعاد الاصطفاء لتفضيلها على نساء العالمين.
والرابع: أنه لما أطلق الاصطفاء الأول، أبان بالثاني أنها مصطفاة على النساء دون الرجال. اهـ.

.قال الألوسي:

المراد من نساء العالمين قيل: جميع النساء في سائر الأعصار، واستدل به على أفضليتها على فاطمة، وخديجة، وعائشة رضي الله تعالى عنهن، وأيد ذلك بما أخرجه ابن عساكر في أحد الطرق عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون» وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن مكحول، وقريب منه ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على بعل في ذات يده ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت بعيرًا ما فضلت عليها أحدًا».
وبما أخرجه ابن جرير عن فاطمة صلى الله عليه وسلم على أبيها وعليها أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول».
وقيل: المراد نساء عالمها فلا يلزم منه أفضليتها على فاطمة رضي الله تعالى عنها، ويؤيده ما أخرجه ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أربع نسوة سادات عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخدجية بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهن عالمًا فاطمة» وما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح لكنه مرسل: «مريم خير نساء عالمها» وإلى هذا ذهب أبو جعفر رضي الله تعالى عنه وهو المشهور عن أئمة أهل البيت والذي أميل إليه أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث إنها بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ومن حيثيات أخر أيضا، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلية غيرها عليها من بعض الجهات وبحيثية من الحيثيات وبه يجمع بين الآثار وهذا سائغ على القول بنبوة مريم أيضا إذ البضعية من روح الوجود وسيد كل موجود لا أراها تقابل بشيء.
وأين الثريا من يد المتناول

ومن هنا يعلم أفضليتها على عائشة رضي الله تعالى عنها الذاهب إلى خلافها الكثير محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء» وقوله عليه الصلاة والسلام: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» وبأن عائشة يوم القيامة في الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة يومئذ فيها مع زوجها علي كرم الله تعالى وجهه، وفرق عظيم بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومقام علي كرم الله تعالى وجهه.
وأنت تعلم ما في هذا الاستدلال وأنه ليس بنص على أفضلية الحميراء على الزهراء.
أما أولًا: فلأن قصارى ما في الحديث الأول على تقدير ثبوته إثبات أنها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين، وهذا لا يدل على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام، ولعلمه صلى الله عليه وسلم أنها لا تبقى بعده زمنًا معتدًا به يمكن أخذ الدين منها فيه لم يقل فيها ذلك، ولو علم لربما قال: خذوا كل دينكم عن الزهراء، وعدم هذا القول في حق من دل العقل والنقل على علمه لا يدل على مفضوليته وإلا لكانت عائشة أفضل من أبيها رضي الله تعالى عنه لأنه لم يرو عنه في الدين إلا قليل لقلة لبثه وكثرة غائلته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن قوله عليه الصلاة والسلام: «إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي لا يفترقان حتى يردا على الحوض» يقوم مقام ذلك الخبر وزيارة كما لا يخفى كيف لا وفاطمة رضي الله تعالى عنها سيدة تلك العترة؟.اهـ.
وأما ثانيًا: فلأن الحديث الثاني معارض بما يدل على أفضلية غيرها رضي الله تعالى عنها عليها، فقد أخرج ابن جرير عن عمار بن سعد أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين» بل هذا الحديث أظهر في الأفضلية وأكمل في المدح عند من انجاب عن عين بصيرته عين التعصب والتعسف لأن ذلك الخبر وإن كان ظاهرًا في الأفضلية لكنه قيل ولو على بعد: إن أل في النساء فيه للعهد؛ والمراد بها الأزواج الطاهرات الموجودات حين الأخبار ولم يقل مثل ذلك في هذا الحديث. وأما ثالثًا: فلأن الدليل الثالث يستدعي أن يكون سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام لأن مقامهم بلا ريب ليس كمقام صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية لزم ذلك قطعًا ولا قائل به.
وبعد هذا كله الذي يدور في خلدي أن أفضل النساء فاطمة، ثم أمها، ثم عائشة بل لو قال قائل إن سائر بنات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عائشة لا أرى عليه بأسًا؛ وعندي بين مريم وفاطمة توقف نظرًا للأفضلية المطلقة، وأما بالنظر إلى الحيثية فقد علمت ما أميل إليه، وقد سئل الإمام السبكي عن هذه المسألة فقال: الذي نختاره وندين الله تعالى به أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم أفضل، ثم أمها، ثم عائشة ووافقه في ذلك البلقيني وقد صحح ابن العماد أن خديجة أيضا أفضل من عائشة لما ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة حين قالت: قد رزقك الله تعالى خيرًا منها، فقال لها: لا والله ما رزقني الله تعالى خيرًا منها آمنت بي حين كذبني الناس وأعطتني مالها حين حرمني الناس؛ وأيد هذا بأن عائشة أقرأها السلام النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل، وخديجة أقرأها السلام جبريل من ربها، وبعضهم لما رأى تعارض الأدلة في هذه المسألة توقف فيها وإلى التوقف مال القاضي أبو جعفر الاستروشني منا وذهب ابن جماعة إلى أنه المذهب الأسلم. وأشكل ما في هذا الباب حديث الثريد ولعل كثرة الأخبار الناطقة بخلافه تهون تأويله، وتأويل واحد لكثير أهون من تأويل كثير لواحد، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل. اهـ.

.قال الفخر:

روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «حسبك من نساء العالمين أربع: مريم وآسية امرأة فرعون، وخديجة، وفاطمة عليهن السلام» فقيل هذا الحديث دل على أن هؤلاء الأربع أفضل من النساء، وهذه الآي دلت على أن مريم عليها السلام أفضل من الكل، وقول من قال المراد إنها مصطفاة على عالمي زمانها، فهذا ترك الظاهر. اهـ.